(شوي لو سمحت.. طريق الله يخليك.. ممكن أعدي).. لم يكن الزحام الشديد الذي دخلت في معمعته الخميس الماضي في معرض للمجوهرات والهدايا أو في استاد لكرة القدم، بل في معرض(ابتكار) الذي كان من أبرز أحداث جدة خلال الأسبوع الماضي.
لم أكن أتخيل أن الناس يمكن أن تحضر إلى تجمع علمي بهذه الكثافة، ولكن يبدو أننا قد توصلنا أخيرا إلى الشيفرة السرية التي يمكن أن تدمج العلم بالمتعة، حيث نجحت مؤسسة (موهبة) بالتعاون مع أرامكو في تحويل هذا المعرض الهام إلى مساحة استثنائية للمرح وفرصة لاكتساب المعرفة وشحذ الخيال، وكان الأطفال والشباب أكثر حماسا من الآباء والأمهات في سعيهم لمعرفة كل جديد وتوجيه الأسئلة الدقيقة للمخترعين.
أما الأمر الذي سبب لي صدمة حضارية بدون تأمين ودفعني للبحث عن (سواق سطحة) في فندق هيلتون جدة لينقل دماغي الذي تعرض للتلف بعد هذه الصدمة، فهو هذا الكم من المخترعين السعوديين الذين كانوا يشرحون اختراعاتهم للجمهور، قرأت أسماء المخترعين المكتوبة أعلى أجنحتهم فلم أجد أسماء من نوع (توماس، جون، يوكوهاما... إلخ)، بل كانت من نوع: (الدوسري، الغامدي، الرحيلي، العتيبي، العمري، العنزي، المطيري... إلخ). كنت أظن قبل الخميس الماضي أن ثلاثة أرباع الشباب السعوديين شعراء والربع الباقي (مفحطون) دوليون، أما الشابات السعوديات فقد كنت أظن أنهن ما زلن غارقات في كتابة الخواطر ومتابعة المسلسلات التركية، ولكن ما شاهدته في معرض (ابتكار) كان بمثابة دليل جديد أن ثروة هذا البلد تكمن في شبابها الذين يملكون قدرات استثنائية وليس في البترول. والأجمل من كل ذلك أن الاختراعات المعروضة كانت تلامس الحاجات اليومية للناس، فثمة شاب يعرض اختراعا لتفادي تصادم السيارات في المنعطفات الجبلية الخطرة، وطالبات في أول ثانوي قدمن من المدينة المنورة يعرضن اختراعا يفضح سارقي السيارات في كل الشوارع التي يمرون بها، بينما يقدم شباب آخرون اختراعات لأجهزة تكشف المتفجرات دون تفتيش وكراسي لذوي الاحتياجات الخاصة تتحرك بالأوامر الصوتية، بالإضافة إلى الاختراعات الطبية والمنزلية المثيرة للاعجاب.
تمنيت لو كانت لدي الموهبة كي أخترع (سطلا إلكترونيا) يسكب الماء على مديري البنوك ورجال الأعمال أثناء نومهم؛ كي يزوروا هذا المعرض ويلتقوا بهؤلاء المخترعين الشباب.. فأغلب الاختراعات الموجودة يحتاجها السوق بشدة ولا ينقصها الا الممولون.
